| ]

اطمأن "السيسي" تمامًا لخطة الانقلاب المبنية على رؤية إستراتيجية ثلاثية ظنها متقنة؛ وهي:

المحور اﻷول- الإجهاز السريع على "الرئيس" ومؤيديه عبر القوة العسكرية.
المحور الثاني- التأييد غير المشروط من "أمريكا" للانخراط في المجتمع الدولي.
المحور الثالث- الدعم الإقليمي عبر المال والنفوذ السياسي "السعودي"
والمحور الأول كان أوثق الخطوات الإستراتيجية "للسيسي" لأن تفاصيله بيده، كما أنه قد درس موقف"الرئيس" ومؤيديه جيدًا، وبالشكل الذي أكد له أن مقاومته ستكون ضعيفة للغاية، لاسيما بعد الدعاية الشعبية ضده وضمان التأييد الشعبي لعزله .

وبناء على النجاح المتوقع في المحور اﻷول فقد كان مطمئنًا لتعاظم الدعم الأمريكي لأن المصالح المتبادلة مقدور على تحقيقها، "فالسيسي" قدم نفسه على أنه استمرار لولاء الجيش المصري للقرار الأمريكي، وبالتالي فإن الطلبات الأمريكية المطلوبة منه مؤكدة التحقيق مهما علا سقفها !!

وقلنا سابقًا إن عرض"السيسي" في هذا الإطار هو "ضمان التمدد الصهيوني" بعد أن كان دور "طنطاوي" هو "ضمان الأمن الصهيوني"، أما "أمريكا" فستقدم الوافد الجديد باعتباره زعيم ثورة شعبية، لتفتح له صناديق التمويل الدولية، والعلاقات الواعدة مع الدول المانحة.

وبخصوص العلاقة مع"السعودية"، فقد كانت أيضًا مبشرة للغاية، حيث يمنحهم "السيسي" الأمان من تصدير الثورة إلى الديار السعودية الهشة، عبر تحجيم الثورة الأهم في "مصر"، وتقليم أظافر القيادة الكبرى للثورة وهي"الإخوان".

ويكون ذلك في مقابل الدعم المالي السخي لمصاريف الانقلاب، ثم المساندة في المرحلة الانتقالية، وكذلك الدعم السياسي بممارسة "السعودية" نفوذها لحشد الدول الخليجية لتصطف وراء "السيسي" وتدعمه ماليًا وسياسيًّا .

لا نتكلم طبعًا عن ظهير سياسي مهم للانقلاب وهو الحكومة الصهيونية، حيث يتأجل دوره لخطورة تدخله الظاهر في المرحلة الأولى نظرًا للكراهية الشعبية التي تحظى بها حكومة الاحتلال.

إذن الخطة محبوكة وقد تؤكد وجهة النظر التي ساقها "يسري فودة" عن "السيسي" بأنه (رجل ذو رؤية ثاقبة يستطيع قراءة الأحداث)!!

فما الذي حدث لهذه الإستراتيجية؟!

ببساطة شديدة كانت إستراتيجية طفولية لم تدرك الحقائق على الأرض ...لماذا؟

أولاً: فيما يتعلق بالشأن المصري فقد كانت الحسابات مضللة "للسيسي"، ولم يعرف أن التزييف الإعلامي، وتشويه شخص "الرئيس" لا يصلح أن يُبنَى على أنقاضه حكمٌ يحظى بالرضا الجماهيري، خاصة بعد ثورة يناير الكبرى التي يطالب فيها الشعب حكامه بمطالب كبيرة للغاية من عيش وحرية وعدالة وكرامة.

كما أن حساباته كانت خاطئة تمامًا في توقع ردة الفعل الجماهيري لمؤيدي "الرئيس"، من حيث الحشود أو الصمود، والتي تحولت إلى ثورة كاملة، كما أن حساباته كانت خاطئة من حيث قاعدة مؤيديه، والتي تأكد أنها لا تقوى على خوض صراع سياسي جماهيري، ضد فصيل لا سقف لتضحياته أو ﻹصراره مثل مؤيدي الشرعية .

وبالتالي فقد انهارت حسابات الداخل ولم يصل الرجل إلى مبتغاه منها، رغم تضحيته بسمعة الشرطة تمامًا، ثم بالحكومة التي خذلته، ثم"بالقضاء الفاسد "صاحب أحكام الـ17  والـ11 عامًا للشباب والفتيات المتظاهرين، وامتدت التصدعات والشروخ إلى داخل البيت الانقلابي، سواء لدى ضباط الجيش كما شرح "صفوت الزيات" أو لدى الصف السياسي الموالي له والذي كان قانون التظاهر هو الحجة المعقولة ﻹنهاء زواج المتعة معه، والانضمام لثوار الشرعية بشكل أو بآخر.

والآن يقف "السيسي" كالتلميذ البليد ينتظر المراقب الذي يأتيه "بالبرشام" ليغش، ولكن المراقب يتلكأ والوقت يمر.

ينتظر"السعودية" و"أمريكا":
أما "السعودية": فتعانى حالة انهيار داخل الأسرة الحاكمة للدرجة التي تنبأت بعض الدراسات (المركز اﻷمريكي والعربي للدراسات) بتعرضها لانقلاب، وهي نفسها تعتمد على دعم أمريكي مراوغ لبقائها في السلطة آمنة من التهديدات الإقليمية، وقد كان مدهشًا أن"السعودية" ما زالت تلوم حليفها الأمريكي على تخليه عن "مبارك" وذلك أثناء مفاوضات "جنيف" التي جرت مع "إيران"، والتي أبدت فيها "السعودية" تخوفاتها أيضًا من النفوذ الإيراني المتعاظم، والذي من شأنه أن يهدد نفوذ الأسرة الحاكمة، والمعلوم أن "الملك عبد الله" خارج الخدمة تقريبًا، ولا يسد الخانة عنه ولي عهده ووزير دفاعه ذو الـ 76عامًا لأنه- بدوره- في حالة صحية متواضعة وصفته بأنه (لا يركز في التفاصيل)!! وليست هنالك رؤية واضحة للتاج السعودي بعد رحيل  اثنين من أولياء العهد، وزاد المصاب ألمًا اضطراب السياسة الخارجية السعودية بسبب عدم قدرة وزيرها "سعود الفيصل" على متابعة عمله لدرجة تمثيل نائبه (وابن الملك) في قمة عدم الانحياز "بطهران".

فإذا أضفت الاضطرابات الحادثة في "القطيف" و"المنطقة الشرقية" التي تغذيها بعض دول الجوار، فستعلم أن (المحور السعودي) في حالة يرثى لها ويخشى أن يفتح على نفسه بابًا من الثورة بسبب الصمود اﻷسطوري لثوار مصر، وتسرب الغضب من دعم الانقلاب إلى دوائر متنفذة وشعبية، في وقت أراد أن يحمي نفسه من هذه الثورة بتأييد هذا الانقلاب...! كما يخشى الحكام من عاصفة تدق الباب الملكي لتنذر بانقلاب داخلي إما عسكري أو دموي كما توقعت الدراسة المشار إليها ...لذا فالدعم السعودي في طريقه للانسحاب.

أما بخصوص "المحور الأمريكي"، فلم يتحسب "السيسي" لطريقة اتخاذ القرار السياسي هناك واعتمد على دعم "تشاك هاجل" وزير الدفاع الأمريكي، لكن الأمر ليس بهذه السذاجة "الســيســية".

فالرئيس "أوباما" حوله ثلاثي نسائي يُشكِّل طريقة حكمه من "البيت الأبيض"، وفي مواجهة هذا "الثلاثي النسائي" هناك "وزارة الخارجية".

ومن هؤلاء الثلاثي السيدة "سوزان رايس" مستشارة الأمن القومي والتي تتصادم رؤيتها تجاه الانقلاب مع رؤية وزارة الخارجية بقيادة "جون كيري".

فالسيدة "رايس" وزميلتاها "سامانثا باور" السفيرة الدائمة بالأمم المتحدة و"فاليري جاريت" مستشارة "أوباما" السياسية.. هذا الثلاثي يمثل (الانتماء) للرئيس وإظهار الوجه اﻷخلاقي في سياساته، أما الخارجية فهي تلتزم (بالإستراتيجية) العامة لمصالح الدولة .

أي أن فريق (البيت الأبيض) يبحث عن المكاسب الآنية لتدعيم (مكانة الرئيس)، أما الخارجية فتواجه تحديات إستراتيجية ترغمها على البحث عن (مصالح أمريكا).

وهذا التناقض هو ما يجري الآن؛ فالوزير (كيري) خالف تعليمات (رايس) فيما يتعلق "بمصر"، و(رايس) كانت قد أصدرت تعليمات بضرورة التشدد في الموقف تجاه الإدارة المصرية الجديدة، خاصة بعد المقاومة المجيدة التي فضحت الانقلاب، وخشي "البيت اﻷبيض" من تهديد صدقية الرئيس إذا اعترف بانقلاب على رئيس أتت به انتخابات ديمقراطية نزيهة، أما "كيري" فقد فاجأ العالم و"البيت الأبيض" نفسه بتصريح من 19كلمة دعم فيه الانقلاب واعتبر أن "الإخوان" سَرَقْت الثورة .

ولم يستطع الفريقان إخفاء الخلاف وظهر التناقض في الميديا الأمريكية، لأن الخلاف بين مؤسسة الأمن القومي ووزارة الخارجية قديم، وكل رئيس يعطي وزنًا نسبيًّا مختلفًا لكلا الفريقين فحين كان "كيسنجر" رئيس فريق الأمن القومي في عهد "نيكسون" كان وزنه أعلى من الخارجية فلما حمل "كيسنجر" حقيبة الخارجية انتقل معه مركز التأثير والثقل .

والرئيس أوباما- بشكل قاطع- يعطي وزنًا أكبر "لمجلس الأمن القومي" ولرئيسته "رايس".

ولكن شخصية "كيري" المدعوم من "الكونجرس" تجعل الكفة متوازنة، مما يجعل القرار مشلولاً في حالة الخلاف (كما الحال نحو الانقلاب)، ومن هنا يصطدم فريقان قويان مما يضعف موقف"أوباما"، لذا رأينا رسائل متناقضة للانقلابيين "بمصر"، ويقولون هناك إن الأمر لو كان بيد "كيري"  و"هاجل" لما توقفت المعونة الأمريكية، ولكنه تأثير (رايس) والأمن القومي .
والذي يراه الكثيرون أن اﻷمور تسير في اتجاه تغليب موقف الأمن القومي بالتشدد تجاه الانقلاب مع استمرار المقاومة الشعبية له، رغم كفاح الخارجية الأمريكية لدعم "السيسي".
وأخيرًا …
إذا رأيت معي أن المقاومة العنيدة للانقلاب قد أفشلت المحاور الثلاثة، فإن هذا يدعونا لتوسيع نطاق العمل ليشمل وفودًا خارجيةً محترفةً تستطيع الخطاب المسئول، وتؤكد على الإستراتيجية التي انتهجها "الرئيس مرسي"، وهي (لسنا أعداء ﻷحد كما أننا لسنا عملاء ﻷحد).

كذلك فإن الصمود وتطوير الثورة بالداخل هو أكبر ضمانة لانهيار إستراتيجية الانقلاب.
فاشلون ومهزومون وقتلة.. ثم يريدون حكمنا!!
مكملين …
لا رجوع...