| ]

موقع إخوان سيناء
في مسرحيته الشهيرة "الزعيم" يسأل الفنان عادل إمام نفسه أمام الجمهور سؤالا ويجيب عليه بنفسه والسؤال هو "لماذا قمنا بالثورة؟" ثم يجيب نفسه بنفسه "أنا مش عارف لماذا قمنا بالثورة أنا كنت في الحمام ساعتها".




 ورغم هزلية الحوار فإنه يبدو منطبقا إلى حد كبير على العديد ممن شاركوا في أحداث 30 يونيو، فقد كانت المطالب الجوهرية هي انتخابات رئاسية مبكرة، وتعديل الدستور الذي في رأيهم قد احتوى على العديد من النصوص التي تنفي عن الدولة مدنيتها، سواء المدنية المضادة للديني أو المدنية المضادة للعسكري.ففي رأي البعض ممن شاركوا في هذه الأحداث أن دستور 2012 قد أعطى للمؤسسة العسكرية بعض الحقوق التي لا تستحقها، وهو ما شكل عند العديد من الحقوقيين انتكاسة كبيرة على حد زعمهم لثورة يناير، وما نتج عنها من أحلام وردية بالحرية والمساواة، ونهاية الحكم العسكري لمصري الذي امتد على مدار أكثر من ستين عاما، ولكن..

ولكن هل حقق الدستور الجديد أو المعدل أحلام المشاركين في أحداث 30 يونيو؟ في هذه السطور سوف نحاول الإجابة على هذا السؤال بقراءة في التعديلات التي قامت بها اللجنة المعينة من قبل رئيس الجمهورية المؤقت والمعروفة إعلاميا باسم لجنة الخمسين .

الموازنة العامة للمؤسسة العسكرية

كثير ممن شايع انقلاب 3 يوليو توقع أن هؤلاء الذين خرجوا ينادون بسقوط حكم العسكر، ويتهمون نظام ما قبل الانقلاب العسكري بمهادنة الجيش خوفا وطمعا، أنهم سيخرجون علينا بمواد أكثر مدنية، أو إن شئت الدقة أكثر تحررا من هيمنة المؤسسة العسكرية، والتي جعلها نظام ما قبل الانقلاب العسكري دولة فوق الدولة على حد تعبير المنتقدين لدستور الجمعية التأسيسية المنتخبة. ولكن أمراً من ذلك لم يحدث.

ففي المادة الخاصة بمناقشة الموازنة العامة للقوات المسلحة نصت مادة دستور 2012 وهي المادة رقم: 195 على وجود مجلس دفاع وطني من مهامه مناقشة الموازنة العامة للقوات المسلحة ووضعها رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة. وهي في ذلك تسحب حق مجلس النواب في مناقشة الموازنة العامة للقوات المسلحة.

وتشكيل مجلس الدفاع الوطني في هذا الدستور معظمه من المعينين، بالإضافة إلى هيمنة العسكريين على تشكيله؛ فهذا المجلس يضم سبعة مدنيين هم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيسا مجلسي النواب والشوري ووزراء الخارجية والداخلية والمالية وهؤلاء منتخبون أو ذوي مرجعية انتخابية، ويضم من العسكريين ثمانية وهم وزير الدفاع ورئيس المخابرات العامة ورئيس أركان القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوى ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع.

وانتظرنا في مشروع دستور ما بعد 3 يوليو تخفيفاً ولو محدودا للهيمنة العسكرية، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، حيث نصت المادة: 203 على تشكيل ذات المجلس، وإن تراجعت هيمنة المدنيين قليلا فبعد أن كان سبعة مدنيين في مقابل ثمانيين عسكريين في دستور 2012 صارت ستة مدنيين في مقابل ثمانية عسكريين بعد إلغاء مجلس الشورى وإلغاء منصب رئيسه معه.

ورغم أن المادة قد حاولت استدراك الأمر بنصها على أنه عند مناقشة موازنة المؤسسة العسكرية ينضم لعضوية المجلس كل من رئيسا لجنتي الأمن القومي والموازنة وهما مدنيان، إلا أنها أضافت أيضا رئيس هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة، ليحافظ العسكريين على أغلبيتهم بمعدل تسعة عسكريين مقابل ثمانية مدنيين؛ الأمر الذي يجعل أمر ميزانية الجيش بعيدا عن رقابة المؤسسة المنتخبة.

المحاكمات العسكرية

القضية الثانية الكاشفة عن استمرار هيمنة وسطوة المؤسسة العسكرية هي المادة الخاصة بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. فرغم الانتقادات الحادة لدستور 2012 في أنه سمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، إلا أنه بقراءة متأنية لنص المادة والتي حملت رقم: 198 في دستور 2012 نجدها لم تشر إلى محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية إلا بقولها: "ويجوز استثناء محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى فى الحالات التى يحددها القانون، ويبين القانون اختصاصاتها الأخرى، وذلك كله فى حدود المبادئ الواردة بالدستور". أي أن الدستور ترك مهمة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية للمشرع القانوني فإن شاء أباحها وإن شاء رفضها. بل إن الدستور قد قيد حق المشرع بقوله إن ذلك يتم في حدود المبادئ الورادة بالدستور .

أما مشروع دستور ما بعد 3 يوليو فلم يترك الأمر للمشرع القانوني ونصت مادته التي حملت رقم 204؛ لم يترك تحديدا واضحا للمدنيين الذين من الممكن محاكمتهم عسكريا وشملت قائمة الجرائم سلسلة الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة لذلك أو معداتها أو مركباتهم أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم.

أي أن هذا المشروع هنا قد جعل أي جريمة طرفها عسكري والآخر مدني يحاكم المدني أمام المحكمة العسكرية برغم تشكيلها العسكري وآليات العمل داخلها وعدم شفافية إجراءاتها. ومع ذلك فإن بعض مؤيدي ما بعد 3 يوليو ما زالوا يؤيدون الانقلاب العسكري وتبعاته التي تعصف بالحريات والحياة المدنية الإجراء تلو الإجراء.

وزير دفاع بدرجة رئيس جمهورية

إلا أن المادتين المذكورتين رغم دعمهما الواضح لهيمنة المؤسسة العسكرية لا تشكل تأثيرا كبيرا على الدور المتضخم للمؤسسة العسكرية في مشروع دستور ما بعد 3 يوليو إذا ما قورنت بالمادة: 234، والتي أتت بالقول الفصل في أننا بالفعل أمام دستور من نوع خاص.

يشرع المشروع المذكور لهيمنة المؤسسة العسكرية، ويحصن المسئولين فيها أكثر من حصانة رئيس الجمهورية المنتخب ذاته. فقد نصت إحدى مواده على أن يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارا من تاريخ العمل بهذا المشروع الدستوري. وهذا يعني أنه ليس من حق رئيس الجمهورية المنتخب تعيين وزير الدفاع ولا حتى عزله.

منطوق هذه المادة يعني أنه مهمها فعل هذا الوزير حتى ولو هزم في حرب أو أخل بواجباته الوظيفية إخلالا جسيما؛ فإنه ليس من حق رئيس الجمهورية بأي حال من الأحوال عزله أو حتى تحويله للمحاكمة. فالأمر كله بيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ الذي يعينه وزير الدفاع نفسه. فالوزير، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة قد صارا بهذه المادة دولة داخل الدولة، أو إن شئت الدقة دولة فوق الدولة لمدة ثمانية سنوات لا يعلم ما سيحدث فيها إلا الله والمجلس الأعلى للقوات المسلحة .

وفي الختام فإن دستورا يتم صياغة مواده في ظل هذا الاحتقان المجتمعي المتوتر ، يجعل من القائمين عليه بين اختيارين إما أن ينتصروا للإرادة الشعبية؛ التي ليس لها أي فضل عليهم، فقد جاءوا معينين بالكامل من رئيس الجمهورية المؤقت المعين بدوره من وزير الدفاع، أو أن ينتصروا لإرادة من عينهم، وهو الأمر الأكثر واقعية واتساقا مع توازنات القوة المادية بين من يملكون السلاح ومن يملكون الإرادة.