| ]

 أصدر المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس الجمهورية المؤقت الذي نصبه الفريق أول عبد الفتاح السيسي قرارا بقانون منع التظاهر الذي يسمى من باب الدلع "قانون تنظيم التظاهر" ، وهي طريقة في دلع الأسماء الخشنة وسيئة السمعة التي درج النظام السياسي الجديد على استخدامها مؤخرا من باب الملاطفة للرأي العام ،



فهو يستخدم البلطجية ضد المظاهرات ويطلق على البلطجية إعلاميا وصف "الأهالي" من باب تدليع البلطجة ، ثم هو يصدر قانونا يعطي قوات الأمن ضرب أي مظاهرة وفضها بالقوة المسلحة إذا ارتابوا في أي شخص فيها ، وإذا "رأوا" أن شخصا واحدا على الأقل فيها ارتكب خطأ أو جريمة فيستباح الباقون ولو كانوا مليونا ، ليس هذا فقط ، بل من حق قوات الأمن أن تمنع المظاهرة من حيث الأصل ولا تسمح لها بالخروج إذا "توقع" حضرة الضابط أو "نما" إلى علمه أنه يمكن للمظاهرة أن يكون فيها عنف أو شيء "مش كويس" ، بل ومنح قوات الأمن حق استخدام قنابل الغاز وخراطيم المياه وذخيرة الخرطوش والذخيرة الحية ضد المتظاهرين ، حسب تقديرهم للموقف ،

 لكن القانون ـ للأمانة ـ اشترط الرجوع إلى القضاء إذا رغبوا في استخدام قوة مفرطة أبعد من الذخيرة الحية والخرطوش ، ربما يقصد طلب قوات الأمن استخدام صواريخ آر بي جيه مثلا ، أو دانات المدافع والدبابات لفض المظاهرة ، قانون منع التظاهر من باب الشياكة قال أن حق التظاهر محفوظ طبعا ، وكل ما على المتظاهرين فعله وكل المطلوب منهم أن يتقدموا بإخطار لجهات الأمن يطلبون منهم السماح بالتظاهر ضد الحكومة والأمن ، ووزارة الداخلية بما عرف عنها من حب للتظاهر وحنو على المتظاهرين وإيمان كامل بحق الشعب في التظاهر ستنظر بعين الشفقة والعطف والتسامح في طلب التظاهر ثم ترى ما هو أصلح للمتظاهر الشريف العفيف وتقرر في ضوء ذلك قرارها ، تسمح له أو لا تسمح ،

فإذا كان من المواطنين الشرفاء الذين يحملون صور الفريق السيسي أو كانت أسماؤهم مسجلة في قوائم الوزارة حسب درجات المسجلين خطر المعروفة والموضوعة تحت السيطرة ، فإن الغالب أن الوزارة والحكومة سترحب بتظاهراتهم تعبيرا عن روح الديمقراطية التي تسود البلاد ورياح الحرية التي تهب كنسيم الصباح على مصر بعد 30 يونيو ،

 أما إذا كانوا من المشاغبين بتوع 6 أبريل أو ائتلافات ثورة يناير أو بتوع محمد محمود فضلا عن أن يكونوا من أنصار الرئيس المعزول أو من يرفعون بأصابعهم علامة رابعة "الإرهابية" فهؤلاء ـ من باب الحرص على أمنهم وأمانهم ـ لن يتم السماح لهم بالتظاهر وسيتم الرد على طلبهم وفق الأدبيات الفرعونية العتيقة : فوت علينا بكره يا سيد . معتوه من يتصور أن صدور هذا القانون لم يكن من أجل قمع المظاهرات ومنع مظاهرات أنصار مرسي وشباب ثورة يناير الذي بدأ يستعيد عافيته وغضبته من جديد وأزعج قوات الأمن التي تتوحش الآن بشراسة غير مسبوقة في القمع والاستباحة ،

 كل العالم يرى ويعلم أن هذا قانون لمواجهة المظاهرات وقمعها وسحقها ، كما أن العالم كله يعرف أيضا أن القوانين لا تمنع الشعوب من الاحتجاج والنضال السلمي ، وكل ترسانة مبارك القانونية القمعية لم تمنع الشعب من تحديه وتحديها وسحق كل قوانينه والتمرد عليها وإسقاط نظامه ، والجميع يرى ويعرف أن ما يجرى ضد المظاهرات الاحتجاجية الأخيرة ، حتى بدون قانون تظاهر ، هو سلوك قمعي عنيف ولا تخلو مظاهرة من قتل وإصابة وسجن لمتظاهرين بالعشرات ، بل إن الاتهامات التي توجه ضد أي متظاهر يقبض عليه الآن هي أسوأ بكثير من الاتهامات التي ستوجه إليه إذا حوكم بسبب قانون التظاهر ، على الأقل سيحكم عليه بغرامة أو سجن خفيف ، بينما الاتهامات الجاهزة الآن لأي متظاهر يتم توقيفه هو الاتهام بالقتل والشروع في القتل وحرق المنشآت والاعتداء على سلطات الأمن ، ومع ذلك لم تتوقف التظاهرات ولم تضعف بل تتزايد ، وتجذب كل يوم المزيد .

اضطرار المستشار عدلي منصور إلى التصديق على قانون التظاهر بعد طول تردد يعني أن هناك توترا متزايدا في السلطة وإحساسا أكبر بالخطر والفشل في مواجهة الاحتجاجات المتوالية ، وأعتقد أن القانون ليس موجها لأنصار المعزول ، فهم يقمعون على كل حال به أو بدونه ، ولكنه رسالة تهديد وترويع للقوى الشبابية الأخرى التي تتزايد دعواتها للنزول إلى الشوارع من جديد .